في البداية وقفت أمام ضابط الجوازات في مطار دوموديدوفو وبعد أن تفحص تأشيرة الدول سأل عن سبب الزيارة مدة البقاء في روسيا عن أسم الفندق وطلب ورقة تأكيد الحجز و تذكرة حجز العودة وأعطاني ورقة لأوقعها مكتوبة بالروسي هيئة الشرطي لا توحي انه لطيف لأسأل عن محتوى الورقة ولماذا أوقع فوقعت وتركته ومشيت فيما بعد اتضح أن الورقة مهمة وهي ورقة سبب الزيارة والإقامة في روسيا لابد تحتفظ فيها طوال بقائك في روسيا وتبرزها لموظف المطار عند الخروج وحمدالله أني احتفظت بها.
وصلت الفندق في شارع أرباط القديم وهي منطقة حيوية لكنها ليست المركز تبعد عن المركز نصف ساعة مشي ومركز المدينة هو الساحة الحمراء والأفضل اختيار سكن بجانبها .
سأبدأ بشارع أرباط ويقال أن أصل التسمية عربية من التتار بمعنى ارباض أو أرباط الخيل ومنطقة أرباط عبارة عن شارعين؛ أرباط القديم و أرباط الجديد يمتدون بشكل متوازي تفصل بينهم بعض البنايات أرباط الجديد شارع أصغر بمطاعم ومقاهي أفخم و نوادي ليلية وأمام المقاهي ساحة فيها (أكشاك)للكتب وأماكن للجلوس لا اعرف إذا كانت الأكشاك دائمة أو هي فعالية مؤقتة اغلب رواد المكان من الشباب والطبقة الغنية ,المطاعم في روسيا بشكل عام نظيفة وتقدم طعام متنوع وجيد فيها الأكل الجورجي والاوزبكي والتركي وخيارات الأكل الحلال موجودة دائما .
أما شارع أرباط القديم فهو أجمل لأنه شعبي على جنبات الطريق المطاعم والمقاهي ومحلات التذكارات و العازفين والرسامين من أكثر المطاعم التي لفتت نظري في المكان مطعم يقدم التجربة السوفيتية بحيث الطعام و لباس العاملين والديكور والموسيقى جميعها مستوحاة من أجواء الحقبة السوفيتية
بشارع أرباط القديم كثير من النصب التذكارية أهمها تمثال الشاعر الروسي بوشكين وهو يمسك يد زوجته وكأنه يلقي التحية للزوار,زوجة بوشكين ليست شخصية مؤثرة أو معروفة ليوضع لها نصب لكن وضع تمثال بوشكين بجانب ناتاليا زوجته لأنها السبب الذي أودى بحياته حيث تتردد الروايات أنه بسبب قصائده التي يرددها الثوار وحديثه الدائم عن معاناة الفلاحين وعدم انخراطه في حاشية القيصر وللتخلص منه انتشرت الوشايات حول علاقة زوجته ببارون فرنسي لاستفزازه وفعلاً ضاق بوشكين من الوضع فدعا البارون الفرنسي للمبارزة وخلال المبارزة تعرض لجرح مات بسببه بعد أيام وهو في الثلاثينات من عمره عام 1837 م.
من النصب التذكارية بالشارع والتي لم تشد انتباهي لولا أني لاحظت أن أمام هذا النصب بالذات يجتمع كل يوم أشخاص يرفعون لافتات لأشخاص معتقلين ويقدمون خطب ساخطة يبدوا أنها معارضة فثار فضولي لماذا أمام هذا النصب بالذات وبحثت عن صاحب النصب فوجدت انه لشاعر ومغني روسي أسمه Bulat Okudzhava ولد عام 1924 م توفي عام 1997 م لعائلة شيوعية سياسية أعدم والده في عهد ستالين عام 1937 م و نفيت والدته فهاجر لجورجيا البلد الأصلي لوالده وعاد لروسيا بعد وفاة ستالين منتصف الخمسينات لا تعتبر أعماله سياسية بشكل مباشر لكنه كان شاعر ومغني مستقل ما أدى لتأخر الاعتراف به كشاعر ومغني في بلده روسيا .
في روسيا لا تكاد تدخل نقاش مع روسي عن السياسة حتى لا يفتأ يتذكر كيف أن الروس خلصوا أوربا من هتلر والنازية وأنه لولا الروس لما ربحت أمريكا ودول الغرب في الحرب العالمية الثانية ويتذكرون بأسى الخسائر الذي تكبدها الروس حيث يقدر تقريبا ثلث ضحايا الحرب العالمية الثانية من الروس وأن هذه التضحيات لا تلقى تقدير الغرب ,لذلك لا عجب وأنت تتمشى في شارع أرباط القديم ستطل عليك رسمه (غرافيتي) كبيرة على أحد المباني لضابط روسي وما هو إلا بطل الروس الحربي غيورغي جوكوف قائد الجيش الأحمر خلال الحرب العالمية الثانية وكان له الفضل في تحرير الاتحاد السوفيتي وبقية الدول من الاحتلال النازي وعبر بجيشه حتى وصل برلين .وان كان الروس يقدرون شجاعة هذا القائد الروسي لفت نظري في مسيرته عده نقط غير شجاعته وهو مسيرته ما بعد الانتصار حيث طلب من جيشه عدم الرد بالمثل على الألمان والتنكيل وقتل الشعب الألماني , و عين بعد استسلام ألمانيا قائد للمناطق الألمانية الخاضعة السيطرة الروسية عمل في تلك الفترة على رفع مستوى المعيشة للمدنيين الألمان وإرسال الإمدادات والمساعدات كانت مطالبه أحيانا تواجه بالرفض من القيادة لكنه يصر على تنفيذها, استطاع تكوين علاقات جيدة مع قادة التحالف إيزنهاور في أمريكا و ومونتغمري من بريطانيا مات عام 1974 م بعد علاقة مد وجزر مع القيادات السوفيتية المتعاقبة.
قبل الخروج من شارع أرباط لابد من زيارة مبنى وزار الخارجية يمثل ضخامة وفخامة المعمار في العهد السوفيتي لتصوير هيبة الدولة يعلو المبنى شعار الشيوعية وجميع المباني التي بنيت في العهد السوفيتي يعلوها شعار المطرقة و المنجل ولم يُزال هذا الشعار بينما يختفي هذا الشعار من المباني الجديدة .
إلى مركز أو ما يشبه المكان المقدس الذي يحج له زوار موسكو الساحة الحمراء أول ما سيواجهك كسائح عند بوابة الكرملن أو بوابة الساحة الحمراء هو طابور طويل جدا كان بجانبي سائحة فرنسية تضحك وتقول باستهزاء حتى في اللوفر طابور الانتظار ليس بهذا الطول ابتسمت في وجهها وقلت لعلنا سنقابل لينين شخصيا ,على جانب الطابور غرفة لقطع التذاكر وهنا تتجلى عدم المرونة الروسية فلكل مبنى أو كنيسة شباك مختلف قطعت تذكرة دخول الساحة الحمراء بدون تذاكر دخول الكنائس والمتاحف بداخلها وانتظرت في الطابور وعبرت التفتيش الأمني ورأيت من أجمل المناظر التي وقعت عليها عيني ساحة كبيرة في المقدمة لمجموعة كنائس مبنية على الطراز الارثودكسي الشرقي بالقبب المذهبة, بعدها تمشي مسافة قصيرة لتصل إيقونة موسكو كنيسة القديس سان باسيل بقببها الملونة قطعت تذكرة دخول الكنيسة فهذه الأيقونه لابد أن تراها من الداخل وباختلاف الكنائس التي رأيتها المبنى حجري وتم الرسم عليه بألوان زاهية تتفرد عمارتها وإيقوناتها عن أي كنيسة زرتها من قبل.مقابل كنسية سان باسيل مبنى الكرملن الأحمر وعلى الجانب الأيمن مركز تسوق تاريخي فخم تصميمه من الداخل اقرب لتحفة معمارية فيه أكبر الماركات العالمية والمحلية وعلى اليسار مرقد لينين الزيارة للقبر بالمجان ولكنها والله اعلم خاضعة للمزاج العسكري فمرة المرقد مغلق بلا سبب و مره مفتوح للزوار ,أيضا من ضمن المباني الموجودة بالساحة الحمراء متحف armoury chamber .قد تقضي نص يوم أو يوم كامل فقط في كنائس و متاحف وزيارة مركز التسوق والمقاهي والمطاعم من الشارع المتفرع من الساحة الحمراء.
المضحك إني بعد يومين في موسكو اكتشفت أني استطيع دخول الساحة الحمراء من خلف مبنى الكرملين أو من الشوارع الفرعية بدون حاجة للوقوف في طوابير انتظار طويلة أو قطع تذكرة دخول .
من المفارقات العجيبة أن بلد كروسيا عرف بالقسوة والاهتمام والإنفاق على التقدم العسكري وانعكاس ذلك على جمود مشاعر الشخصية الروسية إلا إن البلد اشتهر بفن من ارق الفنون وهو البالية ,وفي موسكو أشهر مسارح عرض البالية وهو مسرح البولشوي لكنه يغلق سنويا فترة الصيف في منتصف شهر جولاي ويعاد يفتح في سبتمبر , مع أن المسرح كان مغلق ففاتني حضورعرض بالية راقص ولكن البالية هنا في كل مكان غرافيتي على الجدران , تماثيل تصور راقصات البالية ,حتى أني وقفت عند مبنى جميل و التقطت له صور كان بجانبي شخص ينتظر الإشارة الخضراء لعبور المارة قال هذا قصر بناه ثري روسي لراقصة بالية شهيرة ولكن الآن الدولة تستخدم القصر كبيت ضيافة لكبار المسؤليين عند زيارة موسكو غاب عن ذهني أن أسأله عن اسم راقصة البالية وحاولت ابحث عن اسمها لم أجده .
بعيد قليلا عن المركز وبمحاذاة نهر موسكو حديقة غوركي أسست عام 1928 م تغير اسم الحديقة ليحمل أسم الأديب مكسيم غوركي دلالة أن الحديقة مركز ترفيهي وثقافي أيضاً ,وهي من اكبر حدائق موسكو و فيها فعاليات ونشاطات رياضية وترفيهية .
مقابل الحديقة متحف الفن التشكيلي الروسي وفيها اكبر مجموعة للفن التشكيلي الروسي بعضها لرسامين ونحاتين معاصرين البعض يعرض لوحاته ويتواجد في صالة العرض و ينظم المتحف فعاليات ومعارض سنوية لفنانين سنويا حول المعرض حديقة بمحاذاة نهر موسكو .
أكثر سؤال وصلني عن روسيا لم يكن عن الأماكن أو البلد بشكل عام بقدر ما تكرر السؤال عن طبيعة الشعب الروسي وهل فعلا يصعب التعامل معه !. الكثير زار روسيا في المونديال والجميع أجمع أن الشخصية الروسية فعلا لديها عائق اللغة لكنها شخصية لطيفة متعاونة بعكس الصورة النمطية لكن سأفصل في الموضوع
عند الحديث عن الشعب الروسي لابد نتحدث عن جيلين الجيل القديم من كبار السن وعند هذه الفئة لا يتوقف الموضوع أنه لا يتحدث الانجليزية فقط الأغلب منهم يستاء ويغضب أنك أساسا تتخاطب معه بالانجليزية وممكن يتعامل معك بفضاضة مستحضر جميع تراكمات الحرب الباردة ربما لو كلمته بالإشارة أو بأي لغة ما كان استاء بهذا لقدر لكن المشكلة أن هذا الجيل هو من ستصادفه دائما في الأماكن الحيوية في البلد فموظفي المترو و المتاحف والمرافق العامة جميعهم من كبار السن .
جيل التسعينات والشباب في روسيا يختلف تماما عن الجيل الأكبر سنا فهم جيل منفتح يتحدث الانجليزية مستعد للمساعدة وإذا وجدت روسي يتقن الانجليزية بشكل ممتاز فهو سيتعامل معك وكأن على عاتقه مهمة إنسانية وهي مساعدتك لأقصى حد وقد يظل بجانبك يعمل كمترجم شخصي حتى تنتهي حاجتك .
بالنسبة لي شخصيا لا احتاج أتخاطب مع احد طالما معي شريحة انترنت توصلني بخرائط جوجل وفي المرات القليلة التي احتجت لمساعدة كنت اطلبها من السياح مثلي أو من جيل الشباب واتجنب كبار السن قدر الامكان ..
بالنهاية روسيا بلد عظيم لم يكتشف كما ينبغي بالنسبة للسائح العربي إلى الآن ولكن يحتاج الشعب الروسي كثير من المرونة و استدام اللغة الانجليزية خاصة في اللوحات الإرشادية ولوحات محطة المترو وترجمة مسميات الأماكن البارزة .
في النهاية في روسيا كثير من القصص التي لا ترويها هوليود .